أرق الرشيد ذات ليلة أرقًا شديدًا، فقال لوزيره جعفر بن يحيى البرمكي: إني أَرِقْتُ هذه الليلة وضاق صدري، ولم أعرف ما أصنع.. وكان خادمه مسرور واقفًا أمامه فضحك..
فقال الرشيد: ما يضحكك؟! استهزاءً بي! أم استخفافًا!
فقال مسرور: وقرابتك من سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، ما فعلت ذلك عمدًا؛ ولكن خرجت بالأمس أَتَمَشّى بظاهر القصر إلى أن جئت إلى جانب الدجلة فوجدت الناس مجتمعين، فوقفت فرأيت رجلا واقفًا يضحك الناس، يقال له "ابن المغازلي"؛ فتفكرت الآن في شيء من حديثه وكلامه فضحكت، والعفو يا أمير المؤمنين.
فقال له الرشيد: ائتني به الساعة.
فخرج مسرور مسرعا إلى أن جاء إلى ابن المغازلي، فقال له: أجب أمير المؤمنين.
فقال: سمعًا وطاعة.
فقال مسرور: بشرط أنه إذا أنعم عليك بشيء يكون لك منه الربع والبقية لي.
فقال: بل اجعل لي النصف ولك النصف.
ثم اتفقا على أن يكون الثلثان لمسرور والثلث لابن المغازلي.
فلما دخل على الرشيد سَلَّمَ فأبلغ وأحسن، ووقف بين يديه...
فقال الرشيد: إن أنت أضحكتني أعطيتك خمسمائة دينار، وإن لم تضحكني أضربك بهذا الجراب ثلاث ضربات..
فقال ابن المغازلي في نفسه: "وما عسى أن تكون ثلاث ضربات بهذا الجراب"، وظن في نفسه أن الجراب فارغ، فوقف يتكلم ويفعل أفعالاً عجيبة تضحك الجلمود، فلم يضحك الرشيد ولم يتبسم؛ فتعجب ابن المغازلي وضجر وخاف..
فقال له الرشيد: الآن استحقيت الضرب، ثم أخذ الجراب ولَفَّهُ وكان فيه أربع زلطات كبيرة، فضربه ضربة في رقبته فصرخ صرخة عظيمة، وتَذَكَّرَ الشَّرْطَ الذي شَرَطَهُ عليه مسرور..
فقال: العفو يا أمير المؤمنين، اسمع مِنِّي كلمتين..
قال: قل ما بدا لك.
قال: إن مسرورًا شرط علي شرطًا، وهو أن ما حصل لي من الصدقات يكون له فيه الثلثان ولي فيه الثلث، وما أجابني إلى ذلك إلا بعد جهد عظيم، وقد شَرَطَ عَلَيَّ أمير المؤمنين ثلاث ضربات، فنصيبي منها واحدة ونصيبه اثنتان، وقد أخذت نصيبي وبقي نصيبه..
فضحك الرشيد ودعا مسرورًا فضربه، فصاح وقال: يا أمير المؤمنين قد وهبت له ما بقي..
فضحك الرشيد وأمر لهما بألف دينار، فأخذ كل واحد منهما خمسمائة دينار.